«أَنْسَنة المدن» هي تعزيز البعد الإنساني في المدن وهي تمثِّل التحوُّل من سلبية المكان الصامت إلى ايجابية المكان المتفاعل الذي تنتُج فاعليَّته من تشكيله لنسيجٍ عمراني ييسِّر للإنسان صُنع مسيرته الشخصيَّة، ويحقِّق للجماعة تشكيل هويَّتها الاجتماعيَّة.

خلال عملي أميناً لمنطقة الرياض وبدعم وتوجيه مباشر ومستمر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمير الرياض آنذاك، أصبحت الرياض السبَّاقة لإطلاق مبادرة الأنسنة وبرامجها. وهي أول من طرح الفكرة والمصطلح وكذلك الإنجاز. وقد برزت الأنسنة كأحد برامج الأمانة المتعدِّدة لتطوير المدينة ومجالات العمل البلدي، وركَّزت على خيار الاصطفاف مع المواطن واستهداف استعادة ثقته ورضاه ومشاركته الإيجابيَّة وفتحت فرصة تشكيل نهجٍ جديد، ومنظومة تفكيرٍ مغايِرة. ولم تكن إلا سنوات قليلة وانتشر هذا المصطلح وتوجُّهاته وبرامجه ومشاريعه، وتوِّجت تلك بما تضمَّنته الرُّؤية الطموحة للمملكة العربيَّة السعوديَّة ٢٠٣٠ من عنايةٍ بجودة الحياة في المدن والمجتمعات. ويحدونا التفاؤل والاطمئنان بأنَّ مستقبل مدننا القريب سيزيد جمالاً وإشراقًا بإذن الله، بحكمة وخبرة خادم الحرمين الشريفين، وبجلَد ومثابرة سموِّ وليِّ عهده الأمين من أجل تحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين بالارتقاء بالمملكة في جميع جوانب الحياة.

وانطلاقًا من مبادرات الأمانة أصبحت الأنسنة على رأس قائمة أولويَّات أمناء مدن المملكة ورؤساء بلديَّاتها وفي أروقة مجالسها البلدية وبين المشاركين في مؤتمرات ومحاضرات ونقاشات الشأن البلدي، ولم يتوقف الأمر على ذلك بل تعداه إذ  استطاعت الأنسنة أن تفرض وجودها ولأول مرة في برامج وميزانيات البلديات عند مناقشتها مع وزارة المالية. وتم استِنساخ الكثير من المبادرات والأفكار الجديدة للتجربة الثرية لأمانة منطقة الرياض في كثيرٍ من مدن المملكة، وأصبحت مشاريع أمانة الرِّياض مصدر إلهام. بل إنَّ بعض برامجها عُمِّمت وأُلزمت بها بقية المدن رسمياً، فمبادرة احتفالات العيد واليوم الوطني، على سبيل المثال، صدر بها لاحقاً أمر إلى جميع مناطق المملكة بإحياء المناسبتين في كل عام. وبالمثل صدر توجيه آخر في أحد الاجتماعات السنويَّة لأمراء المناطق بأن تحذو جميع أمانات وبلديَّات المناطق والمدن والمحافظات حذو أمانة منطقة الرِّياض في إنشائها للسَّاحات البلديَّة كي تكون متنفَّساً ترويحيَّاً ورياضيَّاً للشباب خاصة، ولجميع أفراد الأسرة عامة. كما حصلت مشاريع ومبادرات تعزيز البعد الإنساني التي قامت بها الأمانة على عددٍ من الجوائز محليَّاً وعالمياَّ تقديراً لإنجازاتها في هذا المجال.      
       
 لم ينقطع تفكيري عن الشأن البلدي ولا عن الأنسنة حتى بعد انتهاء مهمَّتي أمينًا لمنطقة الرياض، ولا زلت مؤمناً ومقتنعاً بأن أنسنة المدن السعودية مشروع لا يجب أن ينقطع ولا زال هنالك من المجالات الكثيرة والمتنوعة من برامج الأنسنة نحتاج إلى المبادرة بتقديمها لمدننا. ولذلك ومن باب استمرار المشاركة في دعم برامج الأنسنة والتشجيع على تبنيها، رغبت إطلاق جائزة لدعم البحث العلمي للعلماء والباحثين والطلاب المهتمين بأنسنة المدن السعودية. وعرفاناً وتقديراً للدور التعليمي والبحثي لجامعتي ولكلِّيتي التي سعدت بالتعلُّم فيها وتشرَّفت كذلك بالتدريس فيها، كليَّة العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود العريقة، فقد اخترت أن تكون الجائزة في رحابها، مقدِّراً للجامعة والكليَّة موافقتهما وتأييدهما لهذ الخطوة.      
       

سمو الأمير الدكتور عبد العزيز بن محمَّد بن عياف