Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
Skip to main content

الفَرَاغُ الْعُمْرَانِي المُؤنسَن

الفَرَاغُ الْعُمْرَانِي المُؤنسَن

بقلم: م بدر بن ناصر الحمدان

مخطط ومصمم عمراني متخصص في إدارة المدن


يمثل الفراغ العمراني أحد أهم الموارد المُهدرة داخل المدن خاصة تلك المساحات الحضرية غير المستغلة والمهملة Underutilized urban spaces والتي عادة ما تظهر على هيئة فضاءات ميّتة كنتيجة لغياب سياسات استخدامات الأراضي وخلل في نمذجة وظائفها الحضرية، وكذلك جراء التمدد العمراني المضطرد وزيادة معدلات النمو السكاني وعدم فعالية القرارات التخطيطية التي تساعد على تحجيم هذه المدن والحد من توسعها ، بالإضافة الى ارتباط ذلك بعوامل اقتصادية وثقافية واجتماعية أدّت في مجملها الى تراجع قيمة هذه المواقع الآخذة بالتدهور مع مرور الوقت وفقدانها لدور رئيس في حياة الناس.

إشكالية تعريف هذه الأماكن لا تقتصر على الخربة أو غير المطوّرة منها، بل تشمل تلك الفراغات العمرانية التي تم تطويرها وتهيئتها وإنجاز بنيتها التحتية وتكامل مرافقها العامة لكنها غير مُفعّلة بالشكل الذي يليق بها، إذا لم تتمكن إدارة المدينة من تحويلها الى وجهات جاذبة لسكان المدينة الى أن تحوّلت من وجهة نظر اقتصاديات المدن الى عبء وأصول خاملة وراكدة وفرص مهدرة وتكاليف غارقة لا يمكن استردادها، بالإضافة الى أنها باتت جزء من الجمال المهمل.

التجارب العالمية تبرهن أن خلق روح المكان  Spirit of Place أهم من تطويره، والشاهد على ذلك ساحات في أواسط المدن تتصدر الوجهات الحضرية والسياحية كأحد أهم مناطق الجذب على مستوى العالم بالرغم من ضعف بنيتها التحتية الأساسية وافتقارها للمرفق ولأدنى احتياجات مرتاديها، وبالرغم من ذلك هي أماكن مصادفة تعج بالحياة ، كون إدارة المدينة استطاعت تسويقها بفكر مرن وبخلق فلسفة لصناعة المكان Placemaking من خلال جعلها أماكن مُؤنسَنة ذاتياً ، رسالتها التواصلية الأولى أن ثمة أشخاص ستلتقي بهم في ذلك المكان دون مزيد من التفاصيل أو تكلفة التطوير.

الهدف الرئيس من مناقشة هذا السياق – بشكل عملي – هو الانتقال بعقلية الأنسنة التي ترتكز على تطوير المكان مادياً الى تنميته معنوياً ووظيفياً من خلال الناس أنفسهم وفهم احتياجاتهم وإدراك اهتماماتهم، بداء من محاولة  إبقاء معنى للمكان الذي يرتاده الناس Retention of Meaning حيث لا يمكن الحفاظ على الأماكن ذات البعد المعماري والعمراني دون ربطها بسياق أشكال التعبير الإنساني الذي شكل روح هذه الأماكن وساهم في تعزيز الذكريات والتقاليد والمعارف التي ارتبطت بها.

على المستوى التنفيذي تجد الإشارة الى أهمية تحفيز مسيري المدن – بمختلف قطاعاتهم - وجمعيات المجتمع المدني الى تبني مسؤولية نموذج عملي لأنسنه الفراغ العمراني بشكل مستدام، وجعله مساحة معاشه وحاضنة اجتماعية وثقافية ومسرحاً للحياة اليومية القابلة للمشاهدة العفوية وتبسيطها وإتاحتها لسكان المدينة.

الوصول الى ثقة الناس بالمكان، هي اول مراحل أنسنته.

 

Last updated on : October 13, 2025 7:39am