Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
Skip to main content

العودة للإنسان

بقلم عبدالله بن محمد الشهري – مخطط حضري وإقليمي

الإنسان المخلوق الأكرم، خلقه الله سبحانه وتعالى وجعله خليفة في الأرض، ليعبده سبحانه ويعمر الأرض ويسعى في مناكبها، ينعم بخيراتها ويحفظ مواردها، لنلقي نظرة على هذا المخلوق (الإنسان)، كائن يمشي على قدمين منتصب القامة بارتفاع متوسطه 170سم، وبسرعة تصل في أقصاها إلى 45 كم في الساعة، يشغل حيزا بعرض 183سم إذا مد يداه بشكل افقي، وحوالي 213سم إذا مدهما بشكل رأسي، ويشغل جالسا 55 سم، ألهمه الله طريقة الحصول على الغذاء وبناء المأوى كأهم احتياجين له، تبعا لذلك تكونت المجتمعات الإنسانية ونشأت القرى والمدن. بدأت المجتمعات الإنسانية طبيعية عفوية وفقا لاحتياج الإنسان وبمقاييسه الفيزيائية، ومع توسع الإنسان علما وإدراكا بدأ في تطوير تقنيات جديدة للبناء والتوسع ولكن لا تزال لخدمته بشكله الوظيفي الطبيعي، إلى أن ظهرت الثورات الحضارية التي أثرت على معيشة الإنسان وبالتالي أثرت على مسكنه ومجتمعه وقريته، نقصد هنا الثورات الزراعية والصناعية والمعلوماتية، الأولى كان تأثيرها محدودا على شكل المجتمعات الإنسانية ووظائفها ولكن معها بدأت تتشكل القرية والمدينة، وأما الثورة الصناعية فهي التي أحدثت نقلة نوعية في حياة البشر معيشتهم ومدنهم وقراهم، حيث بدأ الانسان يفقد الإحساس بالمكان فالطرق موجهة لخدمة السيارات والقطارات، والفضاء الرحب أمامه يعج بالخرسانات والأبراج المشيدة، وشيئا فشيئا تضائل حجم الإنسان أمام هذه المتغيرات، ومع الثورة المعلوماتية تحول الإنسان مما اعتاد عليه في الثورة الصناعية ليجد نفسه في قوالب اجتماعية ووظيفية وبيئية جديدة، بدأ يفقد معها جزء من هويته وعاداته ومقاييسه. ومن هنا ظهرت الحاجة الملحة لإعادة أنسنة المدن. أنسنة المدن مصطلح يقصد به جعل جميع العمليات التي تتم في فضاء المدينة وفقا لمقاييس واستخدام وعواطف الإنسان بالدرجة الأولى، فيلزم أن تكون الفراغات العمرانية تلبي احتياج الإنسان وتجعله هو المسيطر ولا يشعر أمامها بالتضاؤل، أن يتم توزيع استخدامات الأراضي وفقا للاحتياج الإنساني وجعل ما هو ضروري ويومي في نطاق المشي الطبيعي للإنسان، أن تراعي مشاريع الإسكان التنوع الإنساني واختلاف الطبقات الاجتماعية، أن تكون بيئات العمل مناسبة من ناحية المباني وطبيعة العمل وأوقاته، وباختصار أن يجد الإنسان كل شيء موجه له وهو الأولوية القصوى. وفي المملكة العربية السعودية فإن سمو الأمير الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف يرجع له بزوغ هذا المفهوم وتطبيقه من خلال عدد من المبادرات والمشاريع نفذتها أمانة مدينة الرياض حين كان سموه أمينا لها، وتبعا لذلك تبنت وزارة الشؤون البلدية والقروية (وزارة البلديات والإسكان حاليا) أنسنة المدن وجعلت تعمل على تحسين البيئة العمرانية بدء من تخطيط الأحياء السكنية وانتهاء بمشاريع الأنسنة الملموسة على أرض الواقع في بعض المدن، إلا أن ذلك لم يكن كافيا ليجعل المدن السعودية مؤنسنة، حتى جاءت رؤية المملكة 2030 ووضعت برنامجا تحت مسمى جودة الحياة يهدف لرفع مستوى المعيشة وتحسين المشهد الحضري وبالتالي أنسنة المدن وانبثقت منه العديد من المشاريع نلمس ثمارها اليوم. يعد مشروع المسار الرياضي بمدينة الرياض واحدا من المشاريع الريادية على مستوى العالم التي تعنى بأنسنة المكان، فهو يحول الاهتمام بحركة السيارات إلى الاهتمام بحركة الانسان ويضع لها مسارا رياضيا بيئيا يمتد على مسافة 135 كم ليصل غرب الرياض بشرقها إذ يمتد من وادي حنيفة الى وادي السلي، يوفر مختلف الأنشطة التي تناسب المقاييس الإنسانية مثل مسارات المشاة والدرجات الهوائية والخيول ومرافق لمختلف الرياضات البدنية ويضعها في قالب حضاري معاصر أخاذ وبطراز عمراني يحمل مسمى الكود العمراني للمسار الرياضي، ولا ننسى العديد من المشاريع مثل المناطق المركزية بمكة المكرمة والمدينة والمنورة، ومدن الهيئة الملكية للجبيل وينبع، ومشاريع روشن وشركة الإسكان الوطنية، والعديد من الشوارع المؤنسنة بمدينة الخبر خصوصا وحاضرة الدمام بوجه عام وكذلك مدينة جدة وأبها وباقي المدن الرئيسية بالمملكة. لا تزال وزارة البلديات والإسكان تسعى جاهدة في رفع درجة الأنسنة وتحسين المشهد الحضري وتحقيق مستهدفات جودة الحياة لمختلف مدن وقرى المملكة وفق رؤية المملكة 2030، وكذلك وزارات المملكة وهيئاتها ومؤسساتها الأخرى كل فيما يخصه، وبمتابعة حثيثة من القيادة أيدها الله، لتكون المدن السعودية في مصاف المدن الأكثر أنسنة واستدامة والأعلى جودة حياة في العالم بحول الله وقوته.

Last updated on : July 31, 2025 10:43pm